لم يتوقّع رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع استدعاءه إلى مديرية المخابرات لاستجوابه، بل شكّلت برقية مخابرات الجيش بتكليف من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، صدمة لجعجع وللفريق السياسي الداعم له في لبنان والخارج، بحسب ما تقول أوساط سياسية مسيحية لـ”أحوال”، لا سيما وأن المكان الذي استُدعي إليه جعجع -أي وزارة الدفاع- يُشكل في ذاكرته تاريخاً أسود حيث اقتيد إلى “اليرزة” في العام 1994، بعدما كان اطمأن بأن الزمن لن يعود إلى الوراء بعد عاصفة المتغيرات التي اجتاحت لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005.
قلبت “البرقية” المشهد السياسي الداخلي، من صورة أظهرت “حزب الله” كمتهم ويدافع عن نفسه في “سيف” تحقيقات المرفأ المسلّط على رقبته، وحشره باستدعاءات ومذكرات القاضي بيطار لرئيس حكومة سابق ووزراء يعبّرون عن جبهة سياسية حاضنة للمقاومة، إلى صورة بدا فيها رئيس “القوات” مطوّق بحبل القضاء بقضية جريمة الطيونة، وذلك بعدما حاولت بعض الجهات عقد مقايضة مع “حزب الله” بين لجم البيطار مقابل تدبير تسوية لملف الطيونة، لكن قوبل بالرفض.
ومن هذا المنطلق، انصبّت مساعي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عبر جولته على المرجعيات الرئاسية وتصريحاته لا سيما من عين التينة، على إيجاد مخرج سياسي لتجنيب جعجع كأس المثول المر في اليرزة، فحاول الراعي إيجاد حل دستوري كامل لأزمة البيطار، من ضمنه مخرج لمثول جعجع، وبالتالي ربط ملف تحقيقات البيطار في ملف المرفأ مع أحداث الطيونة، إلا أن ثنائي “أمل” و”حزب الله”، بحسب مصادرهما لموقعنا، رفضا هذه المقايضة وأكدا لجميع المرجعيات وللراعي تحديداً على فصل الملفّين، فالأول له مسار دستوري واضح وفق ما تنصّ عليه المادة 70 من الدستور مع تفعيل صلاحية مجلس النواب، والثاني له مسار قضائي منفصل ويجب استكماله حتى كشف الحقيقة في أحداث الطيونة، وبالتالي لا يمكن المساومة على دم الشهداء، وهذا ما أبلغه للبطريرك رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائهما أمس، حيث أكد بري، بحسب مصادر عين التينة لموقعنا، أن “العودة إلى الدستور هو مفتاح الحل، مع فصل ملف الطيونة عن المرفأ”.
ويتلخص الحل بالمراحل التالية:
-إعادة تصويب مسار القاضي بيطار من خلال وضع ملاحقة الرؤساء والوزراء في عهدة المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء، وتفعيل دور المجلس النيابي في هذا الإطار عبر تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتنسيق مع النيابة العامة التمييزية، يتم على أساسها كف يد القاضي بيطار عن الملاحقات التي بدأها بحق رؤساء ووزراء، وحصر مهمته بما عداهم
-ترك المسار القضائي يأخذ مجراه في قضية أحداث الطيونة، واستدعاء جعجع بعيداً من الضغوط السياسية
وإزاء هذا الواقع، وفي حال سار مقترح بري للحل وفق المرسوم، فإن مجلس الوزراء سيعود للانعقاد الأسبوع المقبل بحسب مصادر عين التينة والقصر الحكومي وبعبدا، كون أصل الأزمة، وفقًا للمصادر، كانت “قضية البيطار، وعندما تُحل تعود الحكومة للاجتماع”.
وبحسب المصادر، أيّد الراعي الحل الذي يطرحه بري من منطلق الرجوع إلى الدستور، فيما شدّد بري على تعزيز استقلالية القضاء من خلال تطبيق الدستور. وتوقفت المصادر بإيجابية عند ما أدلى به الراعي من عين التينة، لجهة “أننا لا نريد قضاءً مسيساً ومسيراً وطائفياً ومذهبياً وحزبياً، وهذا الكلام يلاقي طرح بري ويشكل حجر الزواية لحل الأزمة”.
وفيما لفتت مصادر مطلعة لـ”أحوال” إلى أن “برقية المخابرات -وإن لم يستجب لها جعجع- لكنها فعلت فعلها في تحقيق التوازن بين فريقَي الخلاف في قضية المرفأ، وانتقلت أولوية البطريرك الراعي والفريق السياسي الداعم لجعجع، من ابتزاز “حزب الله” وحلفائه بـ”سيف البيطار” إلى أولوية البحث عن مخرج لإنقاذ جعجع من “ذاكرة اليرزة”، كون تحجيم رئيس القوات سيكسر رأس حربة المشروع الأميركي في لبنان، ولذلك تدخّلت السفارة الأميركية من الكنيسة المارونية ومع قيادة الجيش ورئيسَي الجمهورية والحكومة، وكذلك عاود السفير السعودي في لبنان نشاطه عشية استدعاء جعجع وزار دار الإفتاء”.
وبحسب مصادر قانونية، فإن “جعجع أمام خيارات صعبة، إمّا المثول أمام القضاء وقد يتعرض للتوقيف على خلفية اعترافات الموقوفين والأدلة التي سيواجه بها ويصعب إنكارها، وإمّا عدم المثول وهذا المرجّح، وسيتحول رئيس “القوات” إلى فارٍ من وجه العدالة وقد يُصدر قاضي التحقيق العسكري الأول مذكرة إحضار أو توقيف بحقه، ويبقى الملف مفتوح في القضاء وحملة ضغوط سياسية وشعبية عليه”.
وبرأي الخبير القانوني، بول مرقص، فإن “الدعوة لاستجواب جعجع لا تحدّد الصفة بوضوح: هل هو مشكو منه، مشتبه به أو شاهد؟”، مضيفًا في حديث لـ”أحوال” أن “عبارة مستمع إليه غير كافية ولا وضعية لها في القانون، الأمر الذي يترك مجالات للاستنسابية لدى القاضي وغموضاً لدى جعجع، لا يؤمن له العلنية والشفاقية وسائر حقوق الدفاع التي تخوله اتخاذ الموقف المناسب”. والملفت، بحسب ما يقول مرقص لموقعنا، إن “ورقة الدعوة من مديرية المخابرات، لم تستند مطلقاً إلى إشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ولا إلى سواه، وهي مفترض أن تعمل تحت إشراف القضاء المختص”، إلا أن مرقص يوضح بأنه “تبعاً للصفة المطلوب الاستماع اليه فيها، يمكن لمفوض الحكومة تباعاً إصدار مذكرة احضار بالقوة وتسطير بلاغ بحث وتحري، ومن ثم الإحالة إلى قاضي التحقيق العسكري الذي يمكنه إصدار مذكرة توقيف، لكن هذه الإجراءات اذا حصلت تكون عرضة للطعن”.
محمد حمية